لقطات من غرفة الاخبار
عملت في حياتي في كثير من غرف الاخبار. توصلت لقناعة انها كلها متشابهة: فما يثير القلق والابتهاج في غرفة اخبار عربية موجود بشكل أو بآخر في أخرى بريطانية. غرفة اخبار القناة الفقيرة تواجه نوعا من التحديات قد لا تعرفه اخرى ثرية، لكن تلك الاخيرة لها تحديات اخرى خاصة بها. من وكالات انباء لصحف لاذاعة لتلفزيون، عملت بها جميعا ووقعت في هوى ذلك اللغز المسمى: روح غرفة الأخبار.
-----------------------------------
-المكان: قناة تلفزيون محلية متواضعة الامكانيات. يجلسون في غرفة الاجتماع الفخمة الوحيدة في القناة. ينصتون لما يقوله المدراء رغم انه نفس ما يقال كل يوم في الاجتماع التحريري الموسع. يومئون برؤوسهم ويضعون السبابة والوسطي على جباههم - علامة التفكير العميق. يختلسون النظر لساعات اليد ويخفون هلعهم من هذا الوقت المهدر. المفروض ان الاجتماع يضع تصورا لبرنامجهم لكنه في الحقيقة يخصص يوميا لكلام من نوعيه (الاستراتيجية الصحفية) و(المعالجة الموضوعية) و(الضيوف من العيار الثقيل). يحاولون - بدرجات نجاح متفاوتة - أن يضبطوا تقاسيم وجوههم بحيث تعكس اعجابا بالغا بهذا الكلام الرنان بينما الاذهان تجري حسابات رياضية معقدة عن نوعية وطول المقابلات والتقارير المطلوبة لملأ ساعة كاملة على الهواء. ينفض أخيرا الاجتماع ويجلس اعضاء فريق البرنامج وحدهم في غرفة الاخبار هذه المرة، وفي ظروف اجتماع اقل فخامة بكثير. يقول كبيرهم عبارته اليومية: الآن يبدأ الاجتماع الحقيقي! يضحكون كما يضحكون في كل مرة يقولها. تتدافع الافكار والاقتراحات وتمتلئ الاوراق التي ظلت عذراء بخطة البرنامج. ينصرف كل منهم لينهي ما كلف به.
-----------------------------------------
-يدخل كالطاووس وتتبعه الانظار. عودته سنوات النجومية على هذا. مجرد النظر لقامة صحفية عالية مثله يملؤها فخرا بأنها تعمل معه في نفس المكان. تراقبه وهو يهمس بكلمات لرئيس التحرير فتنبهر بالنقاش الصحفي التحليلي الجيوسياسي العالي الذي بالتاكيد يدور بينهما في هذه اللحظات. ينتهيان من التهامس فيأتيها رئيس التحرير ويقول: ممكن نزود نشراتك اليوم نشرتين ثلاث؟ زميلك مضطر للذهاب لاصلاح السيارة.
-----------------------------------
-تتصل بالمعارض في الدولة القمعية التي "مش راضية تجيبها لبر" فتسجل معه مقابلة يقول فيها ان زميله - المعارض ايضا - القي القبض عليه بعد التسجيل مع قناتهم بالامس. يسوؤها ذلك كثيرا وتقرر فضح هذا النظام الرجعي باذاعة مقابلة اليوم في كل الجولات الاخبارية. في اليوم التالي تتصل بمعارض الامس للوقوف على الجديد فتجيبها زوجته: "حرام عليكم. مش كفاية اللي حصل؟ اخذوه هو الآخر على السجن هذا الصباح".
---------------------------------------
-في غرفة الاخبار يبدأ رؤساء التحرير في القلق عندما تتردد النكات المعتادة عن ان صحفيين من الموجودين ينبغي ان يقوما الآن فيتبادلا طعنات ينقلان على اثرها للمستشفى فالسجن كي تصبح هناك قصة خبرية جديرة بالتناول. هذه النكات دوما تعني اننا بصدد يوم بطيء اخباريا. فوكالات الانباء هادئة والسكون يعم العالم. لو سعد سكان الارض جميعا بان السلام العالمي تحقق اخيرا لن تسعد فئتان: الحانوتية والصحفيون . في هذا اليوم وبعد حيرة وتردد قرر رئيس التحرير بدء الجولة الاخبارية باتصال مع مراسل الاذاعة في دولة تشهد اعمال عنف يوميا من قبل ان يولد هو شخصيا. قبل دقائق من بداية النشرة فوجئ ان حتى تلك الدولة التي كان يعول عليها هادئة تماما اليوم. انتابته حالة من الذعر واتصل غاضبا بمراسل المحطة في هذه الدولة واحتد بينهما النقاش. فوجئ المحيطون به بل وفوجئ هو بنفسه يصرخ في الهاتف: ماذا تعني بأن ليس لديكم اليوم قتلى ولا جرحى؟ تريد إحراجي؟ لن اسمح لك. أحملك بصفتك الشخصية مسئولية فشل هذه الجولة الاخبارية!
-------------------------------------
-قالت لهم المدربة: اهم شيئ في قراءة الاخبار نطق الاسماء الاجنبية. لا بد من التأكد من نطقها الصحيح قبل النشرة. تساءل أحد المتدربين: ماذا لو لم يسمح لي الوقت بأن اتأكد؟ أجابت: إذن انطقها بثقة توحي بأن هذا هو النطق الصحيح.
------------------------------------
-انتشر في العالم قانون منع التدخين داخل المباني فجزع الموظفون من فكرة ان يضطروا للوقوف في الخارج في اجواء حارة كانت ام باردة كلما اشتاقوا لسيجارة وأقلع كثيرون منهم عن التدخين. إلا في عالم الصحافة: بعد صدور القانون انضمت جحافل جديدة لصفوف المدخنين - هؤلاء المحظوظين ممن يتاح لهم الخروج كل ساعة. فالتدخين في دنيا الصحافة العربية ينظر له على انه محفز ابداعي لا وسيلة للتهرب من العمل!
------------------------------
--يجلسان في استوديو الاذاعة. هي: متوترة لانها على وشك قراءة أول نشرة أخبار في حياتها بعد شهور من التدريب. هو: متوتر أيضا لانه حمل على عاتقه مسئولية تدريبها. أي انتقادات سيعتبرها ضده واي اشادة ستحسب له. بقيت عشر دقائق. تجرب صوتها بأن تقرأ بضع جمل بصوت عال. يكتشف في ما قرأت خطأ أو اثنين فيصححهما. يثني على ما يستحق الثناء لكنه لا يبالغ كي لا تطمئن كثيرا. تتسارع دقات الساعة. يعتدل في جلسته. بقيت ثوان. يقرر ان الوقت يسمح بتعليمات اللحظة الاخيرة فيهمس بها متلاحقة سريعة. وعندما تدق ساعة بج بن يسعل لازالة حشرجة صوته وكأنه هو الذي سيقرأ. تفتح (الفيدر) وتتمنى ألا يكون المايكروفون كريما لدرجة أن ينقل للمستمعين - مع الاخبار - دقات قلبها.
sono molto contento quando vedi i tuoi commenti
ReplyDeleteauguro per te tutto il bene del mondo 6 sempre in
gamba
Amazing! I enjoyed it soooo much!
ReplyDeleteراااااااااااااائعة جدا.......عجبتني حكاية بثقة توحي بالنطق الصحيح..
ReplyDeleteاستمري
ابدعتي
ReplyDelete