عن قناة الجزيرة وفوبيا الاطلنطي!

عهدان أساسيان قطعتهما على نفسي في سنتين متتاليتين.

في 1997 وبعد أن فرغت من مشاهدة فيلم تايتانيك للمرة العاشرة خلال 48 ساعة قررت أنه ما من شيء في الحياة يستحق أن أقطع يوما الأطلنطي.

وقبلها بعام, أي في 1996,  وبعد أن تابعت القناة الاخبارية  الوليدة "الجزيرة" أسبوعا لم أتوقف فيه عن الانبهار بقدرة المذيعين في الحفاظ على رباطة الجأش تحت ما هو بكل تأكيد ضغوط عصبية هائلة، أقسمت ألا أقبل أي وظيفة تنطوي على أن اضطر للظهور في التلفزيون!

كما قد يعلم قارئ هذه السطور فقد حنثت بكلا الأمرين!

إلى جانب أن هذا يعني أنني سيدة (ما بتنزلش كلمتها الارض أبدا – بس نزلت المرتين دول) - أرجو أن تكون في الأمر دلالات أخرى!


لو بدأنا من الحدث الثاني زمنيا والمتعلق بفيلم تايتانيك، فلم يكن لافتتاني بالفيلم علاقة بأنه حصل على 11 جائزة أوسكار ورشح لــ 14، ولا بأنه حقق أعلى ربح في تاريخ السينما (2 مليار – أي نعم مليار – دولار) وظل متربعا على هذا العرش اثنتي عشرة سنة إلى أن فاقه أفاتار في الربح في2009

على 
الارجح انني لم أعرف أيا من هذه المعلومات حينها.


ما سلب لبي وحبس أنفاسي وجعلني أنام وأصحو على الفيلم حينها كان مرتبط بمقولة انجليزية تنسب لأرسطو وتقول:

The whole is greater than the sum of the parts

المعنى ببساطة أن التمثيل الفائق الحساسية لكيت ويسنليت وليوناردو دي كابريو، والتصوير الواقعي لمشاهد كامتلاء السفينة بالماء، واللقطات الانسانية كالذي حدث مع الاطفال والفقراء والفرقة الموسيقية التي ظلت تعزف لآخر لحظة، وإيثار البطل حبيبته على نفسه في النهاية ليموت – حرفيا – كي تعيش هي، الاخراج المبدع، أغاني سيلين ديون التي أحفظها حتى الآن عن ظهر قلب، كل هذا إذا منح درجة من عشرة ثم جمع في معادلة حسابية لن يكون الناتج منطقيا.. بل سيكون أكبر من المجموع الكلي.
لماذا؟؟ هذه هي العبقرية التي لا يملك أحد تفسيرا لها!



 في عام 2001 حنثت بالعهد كما أسلفت وذهبت لبلاد العم سام لأول مرة لسبب قهرتني روعته:
تجمع عائلي دعا إليه الوالد رحمه الله ضم مجموعة من أفراد الأسرة. استجمعت شجاعتي وأمضيت الرحلة في قراءة كل ما احفظ من ادعية وأذكار. وحاولت أن أتشاغل عن حقيقة مفجعة: أن عبوري الاطلنطي مضاعف 
حتما. فمن يذهب إلى أميركا لا بد له وأن يرجع، 
أما لو انتهى بي الامر طعاما لأسماك المحيط فسألتمس الصبر والسلوان من الست سيلين ديون التي أكدت لنا أن القلب سيستمر ويبقى إلى الأبد! 
........................................................................................................................


أما الحدث الآخر وهو انطلاق الجزيرة في 1996، فكنت حينها في مقتبل العمر، لم أقرر بعد أن كنت سأبقى
 ممتهنة الصحافة أم لا. وبالتالي كانت احتمالية أن أجلس يوما على مقعد هؤلاء الرائعين الذين صاروا فيما بعد 
زملاء ضربا من خيال

 كل ما انتابني حينها الانبهار والذهول من أننا كعرب باتت لدينا قناة اخبار تطرح الاسئلة الصعبة على المسئولين - كالسي إن إن وفوكس نيوز – ولكن بالعربية! فتح كبير فجر شعورا بالزهو والقدرة ليس عندي وحدي بل عند ملايين.


تابعت المذيعين والمذيعات من الزملاء العرب وأدركت لأول مرة أنه صار بإمكان العربي (أو العربية في حالتي) أن يعمل مذيعا في قناة جادة - غير كارتونية كقنوات الانظمة الحكومية. 

لكن اقتراب المسألة من عالمي الخاص لم يولد الزهو فحسب: لأول مرة سألت نفسي: ماذا يمكن ان يكون شعور هذه الجالسة لساعات تقدم الاخبار وتحاور الضيوف؟ هل يقلقها مظهرها وتفكر فيه؟ هل يساعدها أحد في اختيار هذه الاسئلة الاشبه بالقذائئف؟ من أين لها بكل هذه الثقة بالنفس. هل يرهقها الجلوس طيلة هذا الوقت امام 
الكاميرا؟ هل في الأمر متعة؟ هل المتعة تساوي كل هذه الضغوط؟

كانت نتيجة هذه التساؤلات أن اتخذت قراري: لن اشتغل في التلفزيون أ . ب . د . ا ما حييت!

ثم... نزلت كلمتي الارض!

ففي عام 2009 بدا طبيعيا ومنطقيا للغاية أن انضم لتلفزيون البي بي سي العربية في لندن حيث كان قد مر علي حوالي ثماني سنوات وانا اقدم الاخبار وأحاور الضيوف الخ ولكن للاذاعة (فقد انضميت على لراديو البي بي 
سي الذي يبث من لندن في 2000.)


لم اتخلص بالمناسبة حتى الآن وقد عملت في قناتين فضائيتين رئيسيتين منهما أهم قناة عربية (الجزيرة), لم اتخلص من توجسي الذي يلازمني قبل كل نشرة . لكنه التوجس الصحي الذي يعني أن المهنة لم تفقد بريقها وأنني اشعر أنني إن لم اجتهد قبل النشرة سأبخس المشاهد حقه. الحمد لله أنه ليس التوجس المرضي الذي يمكن 
ان يمنع المرء من اعطاء نفسه الفرصة للاقدام على شيء جديد.

أسأل نفسي كثيرا لم يصور لي عقلي أن هناك رابطا ما بين عملي في التلفزيون وبين أول زيارة لي لأميركا؟
 هل ترمز رحلة الطائرة المشهودة عبر الاطلنطي إلى عملي على (الهواء) ؟
هل شعار الجزيرة العبقري: كرة ارضية تسقط في المحيط  ثم تطفو وتنطلق في السماء يذكر اللاشعور لدي 
بمحيط آخر لي معه قصة؟


أم هل يكمن الرابط في أن كل الامرين يتعلق بعبور حاجز فرضته انا على نفسي في مرحلة ما من العمر؟ وأن المرء لا يملك شيئا من أمره إلا بإذن الله؟ وأنه لا معني لكلمة "أبدا ما حييت"؟ 

Comments

  1. وووااااووووووووووووووووو. يانوراان مكنتش متخيل ان لدينا مذيعة أديبة ومبدعة وتكتب اوتوبيوجرافي وااااو الحكاية قطعة أدبية. لو وقعنا تحتها أنيس منصور او احمد بهجت لما اختلف الأسلوب كثيرا أنا لازالت مندهشا وأعلق حين افيق تحياتي. ووااو

    زيدان

    ReplyDelete
  2. الاسلوب الادبي الذي طرحتي به مرحلة من سيرتك الذاتية اسلوب رشيق وشيق .. احسنت في اختيار الكلمات المناسبة والبسيطة .. والحبكة الدرامية كانت موجودة الى حد ما.
    احسنت وفي انتظار المزيد

    ReplyDelete
  3. فكرتيني باول مره اشوف فيها قناة الجزيره بالصدفه اول مره اشاهد الجزيره مكنش برنامج سياسي ملتهب ولكن كان برنامج اثر فيا جدا جدا وقد يكون مرتبطا بيكي بشكل غير مباشر فاول برنامج شاهدته على الجزيره كان عن نيرين سالم ملكة جمال مصر الي اتحجبت وشركة الطيران الي بتشتغل فيها وقفتها عن العمل بسبب الحجاب كان اول مره اشوف حقيقة مجتمعنا واننا محصورين جيل ورا جيل في صراعنا مع اسرائيل الذي يحجب عنا مشاكلنا الحقيقيه داخل مجتمعنا لتتفتح عيني عن اننا غرباء في اوطاننا منذ ذلك اليوم بدات الاحظ واتابع جميع المحرومين من حقوهم في مجتمعاتنا حتى انني عندما كنت اشاهد برامج المراه في التلفزيون المصري كنت احاول الاتصال لاسالهم عن حقوق المحجبات في مصر المسلوبه منهم لكن لم يحالفني الحظ والمره واشكر الجزيره انها خففت عنا جزء من هذا الظلم لنشاهد مذيعات مثل نوران سلام وخديجه بن قنه لتبدء رحلة البحث عن حقوقنا المسلوبه

    ReplyDelete
  4. ما اروع ان تفاجأك الحياة والاروع من ذلك أن تفاجأ انت نفسك

    ReplyDelete

Post a Comment

أسعد بتعليقاتكم

Popular posts from this blog

قواعد اللعبة

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

في فعل الكتابة