Posts

Showing posts from 2012

توماس هاردي.. أمس واليوم

انتهيت من قراءة "تيس" لتوماس هاردي الذي صنعتني كتاباته صنعا، ليس فقط لكثرة ما قرأت له بل لاعادتي مرارا قراءة بعض كتبه. لا أفعل هذا بالضرورة لحبكة القصة (رغم انه مشهود له بالبراعة في هذا)، وانما للاستمتاع بإضاءاته على النفس البشرية التي يخبئها في ثنايا الاحداث فتفاجئك كقطع النقود المعدنية التي كانت جدتي تخبئها في الكعك. على سبيل المثال تأمل هاردي وهو يقول على لسان "تيس" (تلك البطلة المظلومة التي أغرمت بها وسأتناولها لاحقا بتفصيل اكبر) ان كل ورقة من ورقات التقويم تحمل تاريخا جديدا: نتصفحها فنتوقف أحيانا عند ايام تعني لنا شيئا - فرحا كان او تعسا - ونمر سريعا على ورقات أخرى لا تمثل لنا اي شيئ. ثم انتبه وهو يقول إن المفارقة هي أننا لا نتوقف عند اليوم الأهم على الاطلاق: يوم الممات الذي يختبئ وسط صفحات التقويم فيتقن الاختباء. كم هزتني هذه الفكرة! وأنا في سباق الحياة المحموم أدون على مفكرتي موعدا مع طبيب او لقاء مع أصدقاء او رحلة سفر أجد نفسي أتساءل إن كان اليوم الذي وقع عليه اختياري الآن ببراءة سيكون لاحقا يوم الصمت الأخير. ثم لاحظ هاردي يقول في وصف شخصية عابرة:

نفخات كاذبة - من وحي الواقع. بقلم نوران سلام

لا يقض مضجع هناء الا وجهها... إنه وجه من النوع الذي يبدو مسناً منذ الطفولة. شيء ما في شفتيها الرفيعتين، في الهالات الداكنة تحت عينيها، في تجويف الخدين، في خط الفك  المتعرج، وفي اجتماع ما فات كله يجعلها تبدو في الستين منذ كانت في العاشرة. إن وضعت الاقدار هناء في طريقك فقد تعاملها في البداية كجدة وقور، لكنك سرعان ما ستوقف هذا العبث. ستألف بمرور الوقت هذه المفارقة البيولوجية. ثم ان جدتك على الارجح لا تطلق مثل هذه الضحكات الرنانة. توقفت هناء عن الشكوى من مأساتها منذ زمن طويل. لكنها لم تتوقف أبدا عن البحث عن حل. وذات يوم وجدته: غابت عن الأنظار برهة ثم عادت وقد انتفخت شفتاها وتورمت وجنتاها. يجمع من رأوا وجه هناء الجديد على أن التأثير صادم: للوهلة الأولى تحس أن شيئاً ما قد اختلف دون أن يختلف حقاً شيء. للوهلة الثانية يصدمك أن هناء تقر بفعلتها بلا لف ولا دوران، بل وتشرح باستفاضة (وبشيء من تفاخر على أمثالك من غير المنفوخين) المفعول الساحر للبوتوكس.  في مواجهة كل هذا ربما تفقد أنت القدرة على النطق للحظات لكنك لا تلبث أن تستعيد السيطرة فتبالغ في الاعراب عن اعجابك وانبهارك لتداري هلعك

الاسبوع التعليمي - مصر - الجزء الثاني

ضمن الاسبوع التعليمي بالجزيرة زرنا مدرسة قرية زاوية ابو مسلم وتعرفنا على مشكلات التعليم في الريف المصري http://www.youtube.com/watch?v=hYRCN-Cvh3A&feature=youtube_gdata_player

الاسبوع التعليمي بالجزيرة - مصر - الحلقة الأولى

حلقة عن التعليم في مصر في اطار الاسبوع التعليمي على شاشة الجزيرة زرنا خلالها مدرسة المستقبل التجريبية في مدينة نصر بالقاهرة http://www.youtube.com/watch?v=1qICSKkFgdM&feature=youtube_gdata_player

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

قضي الامر واتخذ القرار لن يفعل شيئا البتة اليوم لن يبدل ثيابه، فهو باق في البيت لن يتحمم. لن يحلق ذقنه ولن يفرّش اسنانه لن يرد على الهاتف ولو كان مديره يستفسر عن غيابه  لن يفتح الباب لطارق  وإن كان أباه لن يراجع بريده الالكتروني  ولا العادي لن "يتواصل اجتماعيا" عبر فيسبوك ولا تويتر على سبيل الاحتياط لن يفتح الكومبيوتر سيقضّي اربعا وعشرين ساعة دون ان ينبس بكلمة حقيقية كانت أو افتراضية  سيكون سيد هذا العالم اليوم ستتأتي السيادة بألا يرغب في شيء  ستدين الدنيا إن لم يحتج لأحد سيأمر رئتيه ألا تشتاق للنيكوتين لئلّا يشعل سيجارة لن يطلب المطعم، كي لا يشكر رجل الدليفري سيأكل الموجود،  ولن يغسل الصحن وان وجد المطبخ خاويا،  سيصوم لن يرهق خلايا مخه سيرقد على السرير ويحملق في الحائط سينصت لقطرات الماء تتساقط من صنبور فشل في إصلاحه سيتحمل الحر  في سبيل ان تتابع عيناه أذرع المروحة  تدور وتدور على درجتها الأبطأ قد يقرأ كتابا  بشرطين:  أن يكون مملا.. وقريبا، يتناوله دون أن ينهض قد يفتح التلفزيون

غزل بوليسي - للشاعر الكبير احمد مطر

شِعـرُكَ هذا .. شِعْـرٌ أَعـوَرْ ! ليسَ يرى إلاّ ما يُحـذَرْ : فَهُنـا مَنفى، وَهُنـا سِجـنٌ وَهُنـا قَبْـرٌ، وَهُنـا مَنْحَـرْ . وَهُنَـا قَيْـدٌ، وَهُنـا حَبْـلٌ وَهُنـا لُغـمٌ، وََهُنـا عَسْكـرْ ! ما هـذا ؟ هَـلْ خَلَـتِ الدُّنيـا إلاَّ مِـنْ كَـرٍّ يَتكـرَّرْ ؟ خُـذْ نَفَسَـاً .. إسـألْ عن لَيلـى .. رُدَّ على دَقَّـةِ مِسكـينٍ يَسكُـنُ في جانبِكَ الأيسَـرْ . حتّى الحَـربُ إذا ما تَعِبَتْ تَضَـعُ المِئـزَرْ ! قَبْلَكَ فرسـانٌ قـد عَدَلـوا في مـا حَمَلـوا فَهُنـا أَلَـمٌ .. وهُنـا أَمَـلُ . خُـذْ مَثَـلاً صاحِبَنا (عَنتَـرْ) في يُمنـاهُ يئِـنُّ السّـيفُ وفي يُسـراهُ يُغنّي المِزهَـرْ ! ** ذاكَ قَضيّتُـهُ لا تُذكَـرْ : لَـونٌ أسمَـرْ وَابنَـةُ عَـمٍّ وأَبٌ قاسٍ . والحَلُّ يَسـيرٌ .. والعُـدّةُ أيْسَـرْ : سَـيفٌ بَتّـارٌ وحِصـانٌ أَبتَـرْ . أَمّـا مأسـاتي .. فَتَصَــوَّرْ: قَدَمــايَ على الأَرضِ وقلـبي يَتَقَلّـبُ في يـومِ المحشَـرْ ! ** مَـعَ هـذا .. مثلُكَ لا يُعـذَرْ لمْ نَ

خمار بمبي

"ما تقلقيش يا خديجة. انا شرحت لك الاجراءات مية مرة. يا بنت الناس ده اللي لا بيقروا ولا بيكتبوا بيسافروا كل يوم. اللي يسمعك ما يقولش دي معاها مؤهل عالي" "انا لسه برضه خايفة يا ابو نسمة. انا عمري ما نزلت مصر في حياتي غير يوم فرح ابن عمك. ايش حال لمبن مرة واحدة" "لمبن ايه؟ مليون مرة اقوللك اسمها لندن" "اعذرني يا خويا حكم العادة. انا لو قلت لندن زي ما بتنطقوها كده اللي هنا في كفر البطيخ يقولوا شايفه نفسها علينا" "المهم خللي بالك من نسمة وانتي جاية. وتقليلها في الهدوم البت ما بتبطلش كحة والبرد هنا بيخش العضم طوالي." "حاضر يا ابو نسمة. في عينيا يا خويا. عاملة حسابي فلنة بالعدل وفلنة بالمقلوب عشان صدرها" "باقولك ايه بلاش ابو نسمة دي. المصريين هنا خواجات ما تضحكيش حد علينا." "سبحان الله! امال اقولك ايه؟!" "يعني ايه تقولي لي ايه؟ اندهيلي باسمي طبعا" "حاضر يا خويا. حاضر يا بو نسمة" "اللهم طولك يا روح. انطقي" "يووه بقه. حاضر يا حسين" "عملتي ايه في كورس الانجليز

لقطات من غرفة الاخبار

عملت في حياتي في كثير من غرف الاخبار. توصلت لقناعة انها كلها متشابهة: فما يثير القلق والابتهاج في غرفة اخبار عربية موجود بشكل أو بآخر في أخرى بريطانية. غرفة اخبار القناة الفقيرة تواجه نوعا من التحديات قد لا تعرفه اخرى ثرية، لكن تلك الاخيرة لها تحديات اخرى خاصة بها. من وكالات انباء لصحف لاذاعة لتلفزيون، عملت بها جميعا ووقعت في هوى ذلك اللغز المسمى: روح غرفة الأخبار. ----------------------------------- -المكان: قناة تلفزيون محلية متواضعة الامكانيات. يجلسون في غرفة الاجتماع الفخمة الوحيدة في القناة. ينصتون لما يقوله المدراء رغم انه نفس ما يقال كل يوم في الاجتماع التحريري الموسع. يومئون برؤوسهم ويضعون السبابة والوسطي على جباههم - علامة التفكير العميق. يختلسون النظر لساعات اليد ويخفون هلعهم من هذا الوقت المهدر. المفروض ان الاجتماع يضع تصورا لبرنامجهم لكنه في الحقيقة يخصص يوميا لكلام من نوعيه (الاستراتيجية الصحفية) و(المعالجة الموضوعية) و(الضيوف من العيار الثقيل). يحاولون - بدرجات نجاح متفاوتة - أن يضبطوا تقاسيم وجوههم بحيث تعكس اعجابا بالغا بهذا الكلام الرنان بينما الاذهان تجري حسابات ري

ذاتي الصغيرة العزيزة

ذاتي الصغيرة العزيزة طُلب منا اليوم ان نكتب رسالة لذاتنا التي هي في السادسة عشرة. فرحنا كصغار تحدد لهم المعلمة الواجب. انت لا تعلمين هذا ولكنني عدت لمقاعد الدراسة. الآن وفي السادسة والخمسين! مفاجأة كبرى أليس كذلك؟ خف الحمل (ولكن لم تستقم انحناءة الظهر ولن تستقيم) فقررت دراسة محبوبتك العشوائية تلك المسماة بالكتابة الابداعية. اتعرفين ذلك الشعر الرديء الذي تخطينه الآن مبللا بالدموع وتفضلين الموت على أن يراه أحد؟ يبدو لي وكأنها بوادر موهبة. احيانا اندهش ممن يصفون ما اكتب بأنه ذو قيمة تذكر. لكنهم كثر والاحتمال ليس بكبير - احصائيا - ان يكونوا جميعا مجاملين.  الآن الى القليل من "كشف المستخبي" على طريقة الأفلام العربية القديمة: ستتعرضين بعد عامين او ثلاثة لضغوط شديدة من قريبين  - انتبهي لم اقل مقربين - كي تسلكي سلوك القطيع. لا تنصاعي. قد يبدو لك الأن ان إرضاءهم غاية الأمل وأنه خليق بأن يجعل حياتك اسهل كثيرا. لكن المفاجأة أن السبل ستتفرق بكم وتظلين انت حبيسة اختيار اتخذتيه وانت بعدك صغيرة. لن تكون  لديك القوة للتراجع عنه لذا لا تتخذينه اصلا.  "إرضاء الناس غاية ل

ظل أبيها

عندما استيقظت غالية هذا الصباح تذكرت اباها. كانت لديه عادات يمارسها فقط في عطلته الصيفية التي "ينزل" فيها الى القاهرة على حد التعبير المصري لسكان الخارج ممن يعتبرون مصرا جذرا ينزلون اليه نزولا: لا فرعا يتجهون اليه صعودا. في كل صباح كان يرضخ في النهاية فيسمح لاصوات المدينة ان توقظه. لكن دأبه كان ان ينهض نصفيا فقط، شكليا فقط. اي: يجلس على طرف السرير برهة تمتد طويلا. وتلامس قدماه البارزتان من بنطال نومه المقلم الواح الارض الخشبية. في مثل هذه الاوقات كان وجهه يعكس عزما خالصا: سأرجئ فتح الابواب للعالم قدر الامكان. ولم يثنه عن عزمه هذا اصوات الباعة الجائلين (من يؤكد له أنه سيسن السكين بل والمقص، ومن يزمر لاطفال الحي كي يشتروا غزل البنات). ولا كانت تؤثر فيه رائحة البخور التي اعتادت زوجته ايقادها قبل ثلاثين عاما ل'تطرد الفأل السيء' كل صباح ولا حتى ضجيج الصغار. هذا الصباح فعلت غالية الشيئ نفسه. مكثت في الفراش طويلاً بلا حراك. بعد برهة طالت واعتذارا من العالم الذي بالتأكيد ينتظر منها ما هو أكثر وضعت قدميها (اللتين سببتا لها الما نفسيا لا نهائيا في مراهقتها بحجمهما وعروق

عن قناة الجزيرة وفوبيا الاطلنطي!

Image
عهدان أساسيان قطعتهما على نفسي في سنتين متتاليتين. في 1997 وبعد أن فرغت من مشاهدة فيلم تايتانيك للمرة العاشرة خلال 48 ساعة قررت أنه ما من شيء في الحياة يستحق أن أقطع يوما الأطلنطي. وقبلها بعام, أي في 1996,  وبعد أن تابعت القناة الاخبارية  الوليدة "الجزيرة" أسبوعا لم أتوقف فيه عن الانبهار بقدرة المذيعين في الحفاظ على رباطة الجأش تحت ما هو بكل تأكيد ضغوط عصبية هائلة، أقسمت ألا أقبل أي وظيفة تنطوي على أن اضطر للظهور في التلفزيون! كما قد يعلم قارئ هذه السطور فقد حنثت بكلا الأمرين! إلى جانب أن هذا يعني أنني سيدة (ما بتنزلش كلمتها الارض أبدا – بس نزلت المرتين دول) - أرجو أن تكون في الأمر دلالات أخرى! لو بدأنا من الحدث الثاني زمنيا والمتعلق بفيلم تايتانيك، فلم يكن لافتتاني بالفيلم علاقة بأنه حصل على 11 جائزة أوسكار ورشح لــ 14، ولا بأنه حقق أعلى ربح في تاريخ السينما (2 مليار – أي نعم مليار – دولار) وظل متربعا على هذا العرش اثنتي عشرة سنة إلى أن فاقه أفاتار في الربح في 2009 على  الارجح انني لم أعرف أيا من هذه المعلومات حينها. ما سلب لبي وحبس أنفاسي وجعلني أنام وأصحو على الفي