الأفضل لم يأت بعد

سيكون ٢٠١٤ الاروع على الاطلاق. 
هذا هو العام الذي ستنفذين فيه كل وعودك لنفسك. ستصلّين الفروض الخمسة وتصومين الاثنين والخميس والثلاثة البيض من كل شهر وتقرئين جزءً بحاله من القرآن كل ليلة.
هذا هو العام الذي ستلاقين فيه حب حياتك وتكوّنين فيه أدوم صداقاتك.
أي سعادة ستحلّقين على جناحها عندما تغور في داهية القرشانة رئيستك التي طالما حفرت لك الفخ تلو الاخر. سيكتشف المدير فسادها فيفصلها ويضعك مكانها -- هكذا فورا. سيتضاعف دخلك ويتجاوز عدد مرؤسيك عدد شعر رأسك.
حسناً، هذه مبالغة.
سيتجاوز عدد مرؤسيك عدد رؤسائك.
ستكونين مديرة مثالية: قسوتك رحيمة ورحمتك قاسية. لن ينطلي عليك نفاق المنافقين ولن تسلّمي أذنيك لأي كان. سيهابك مرؤسوك ويحبونك بنفس القدر. 
اليس هذا رائعا؟
انه العام الذي ستنحّين فيه زوجة أبيك عن المطبخ وتطهين مقلوبة باذنجان لم تحك لها حلقا من قبل: سيدفعها ذلك لترك المائدة بحجة صداعها النصفي (السياسي) - لكن لا بأس، لن يبرح الباقون أماكنهم حتى آخر حبة أرز (بمن فيهم أبوك). 
هذا ليس كل شيء.
في ٢٠١٤ ستشهدين بنفسك عددا من المعجزات. فمثلا:
سيحتاج الأمر لميكروسكوب لرؤية مسام بشرتك (كان اتساعها من قبل يسمح برؤيتها بالعين المجردة -- ضعيفة الإبصار). سيلمع شعرك وتقوى اظافرك وينبت حاجبك الفقيد وتظهر عظام وجهك بعد غياب طويل. سيستقيم خط فكك وتختفي ذقنك الثانية وتستحيل الهالات السوداء تحت عينيك بيضاء بلا كونسيلر ولا يحزنون. سيقاوم نهداك سحر الجاذبية الأرضية وتعود بطنك أدراجها للوراء بعد أن تدرك - نعم بطنك - أن مهمة توسيع الطريق أمامك للمرور لم تكن أبدا من اختصاصاتها.
نعم! ستفقدين وزنك الزائد بما في ذلك تلك الكيلوجرامات الاخيرة العنيدة. والأدهى أنك لن تستعيديه ثانية. لن تتبعي نظاما غذائيا قاسيا في سبيل ذلك ولن تلفظي أنفاسك أربع مرات أسبوعيا في الچيم. سيلاحظ رشاقتك الجميع ويهنؤك عليها حبيبك السابق على مسمع من خطيبته الجديدة التي ستتلوى كمدا بينما تبتسمين أنت بمزيج عبقري من التواضع والغرور وترمشين بأهداب تضاعفت كثافتها فجأة في ٢٠١٤. 
ألم أقل لكِ إنه عامك الأروع على الإطلاق؟
لن تمرضي مطلقا في ٢٠١٤. ستنحصر متاعبك الصحية في أشياء من قبيل التهاب الاحبال الصوتية من كثرة الغناء وألم عضلات الوجه من كثرة الضحك.
سيكون بحق عام الفرح.
عندما يقترب عيد ميلادك ستقررين بنضج ملحوظ  أن الوقت حان لتتوقفي عن تذكير الجميع قبلها. ستعودين للبيت ليلتها مرهقة بعد يوم عمل شاق وتبتهلين وانتي تديرين المفتاح في الباب ان يكون ساق الدجاجة المتبقي من أول أمس قابعاً مكانه في الثلاجة - لا مستقراً في معدة أحد. ستجدين البيت يسبح في ظلمة لانهائية وصمت مطبق وعندما تشعلين الضوء سيهتف كل من يحبونك (وعدد لا بأس به ممن يكرهونك) "هاپي بيرزداي!!". سيضع أخوك تسجيل فيديو لتلك اللحظة التاريخية التي هرمتِ من أجلها على يوتيوب -- وستمطر الدنيا تعليقات على الفيديو من غرباء.
وهناك المزيد.
لن تتضمن التعليقات شتيمة واحدة. 
صدمة، أعلم. لكن حقيقة.
عندما تتعافين تماما من الصدمة السابقة واصلي القراءة - فالقادم أروع.
عندما ينفض الحفل ستحلمين تلك الليلة بفكرة رواية لم تخطر لأحد قط - تماما كما أُلهم ستيڤن كينج بفكرة Misery اثناء اغفاءة في رحلة جوية. وعندما تستيقظين على شدو عصفور يغرد من أجلك فقط ستنبض كل تفاصيل الرواية في ذهنك. ستسجلينها بتركيز تام وبابداعٍ لا يتأتى إلا لمن دخّن حقل خشخاش كاملا. وقبل غروب شمس ذلك النهار الذي نسيتي ان تأكلي وتشربي فيه - لانك في ٢٠١٤ ستصبحين من أولئك الذين يعلقون بلا مبالاة: "نسيت موضوع الأكل هذا تماما اليوم!" - ستكونين قد أنجزتِ رواية من سبعة عشر فصلا في ستمائة صفحة قطع متوسط. وبنهاية ذلك الاسبوع ستندلع حرب ضروس بين  دور النشر الرئيسية في بيروت والقاهرة والشارقة من أجل نيل شرف نشر كتابك. ستحطم مبيعاته كل الارقام القياسية وسيجن جنون القراء والنقاد معا في سابقة أدبية حيث سيصف صنع الله ابراهيم روايتك بأنها "ما ينتظره المصريون منذ ذات" ويوسف زيدان بـ "طوق نجاة.. انتشلتنا من تلافيف التيه". ستتلقين دعوة من مدرستك الثانوية لالقاء محاضرة عن سر النجاح وعندما تصلين سترين صورتك معلقة على جدار غرفة المديرة في برواز مذهب. سيستضيفك يسري فودة في برنامجه للحديث عن كتابك وأثناءها سينتشر على تويتر هاشتاج يقول أحلى_آي_شادو_في_مصر
وتستمر السعادة. 
سيبث نجاحك موجات من الطاقة الايجابية فيمن حولك فينجح اخوك في الثانوية العامة بعد سبع سنوات من الضياع.
سيحل ديسمبر.
 قبيل رأس السنة ستهديك زوجة ابيك زجاجة عطر مع بطاقة تقول: "كل سنة وانت تتربعين على عرش البيت.. ملحوظة: هي ايه وصفة المقلوبة!؟" وصبيحة يوم ٣١ سيتحقق المستحيل بعينه عندما تتصالح اختك مع سلفتها وتحتضنان بعضهما البعض وتنهنهان بتناغم: شكرا لكِ.. فتحتِ عيوننا على جمال الحياة. 
وفي آخر ساعة في العام سيدق الباب فتتلفتون جميعا في اندهاش وتتطوعين بشهامة لفتحه. يتبين أنه غريب ضل سبيله ويحتاج لشحن هاتفه.
غريب طويل، وسيم، غطيس سواد الشعر.
ستدعينه للدخول والانضمام لحفلكم العائلي. ستطير الدقائق وأنتما تثرثران كأنكما تعرفان بعضكما البعض منذ الأزل. 
عندما تعلن الساعة انتصاف الليل لن تشاركا في صخب التهاني لأن كلا منكما سيكون عندئذ يذوب ببطء في عيني الآخر. 

Comments

  1. قصة جميلة جداً يلمع التفاؤل بين أحداثها الواقعية بكل المقاييس جاءت فى وقتها تماماً أسعدتينا بها كثيراً

    ReplyDelete
  2. جميلة أوي .. كأنك كنت تقرأين أفكاري فى ليلة رأس السنة و أنا أستعد للعام الجديد
    قرأت هذه الأمنيات و انا ألتهم أربع ساندويتشات .. و البيت يسوده الهدوء التام دون رنة تليفون واحدة ..و انا مطمئنة
    أن الأمنيات ستتحقق و أفقد الوزن الزائد دون احتياج للحرمان من الطعام .. و أنني سأسمع رنين التليفون و الموبايل فى وقت واحد
    ملحوظة: توقفت بعض لحظات عن القراءة لإحضار الكيتكات من الحجم الكبير

    ReplyDelete
  3. قصة رائعة و متفائلة لأبعد الحدود

    ReplyDelete
  4. قصة رائعة و متفائلة لأبعد الحدود

    ReplyDelete
  5. قصة رائعة و متفائلة لأقصى الحدود

    ReplyDelete
  6. السرد جميل وممتع ومسوق كالعادة.لكن اﻷجمل هو النهاية التي لم تكم متوقعة علىىالاقل من وجهة نظري.ننتظر رواية بحجم إبداعك.

    ReplyDelete
  7. أسمى عبارات الشكر والتقدير للمبدعة دائمًا نوران سلام. قصة في التوقيت المناسب، فما احوجنا إلى التفاؤل والأمل في حياتنا "تفاءلوا بالخير تجدوه" و"لولا الأمل لانفطر القلب". يارب حقق أمانينا جميعًا.

    ReplyDelete

Post a Comment

أسعد بتعليقاتكم

Popular posts from this blog

قواعد اللعبة

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

في فعل الكتابة