عيد اللامؤاخذة المرأة!


عندما جثمتِ في حجر جدتك، قطعة لحم حمراء لم يتجاوز عمرك الساعة، عندما احاطتك بيد معرّقة مبقعة بالسواد وامسكت الهاتف بالاخرى لتبلغ أباك البليّة "بنت يابني، معلش، أمر الله.. انت مؤمن"، في كل مرة تُروى هذه القصة للضيوف كنادرة عائلية تثير الضحكات - بالذات بالذات.. يوم قراءة فاتحتك.
في جلسات التعذيب الصباحية على مدار طفولتك لتمشيط شعرك العنيد، فك الاشتباك بين خصله، حل عقده، جبر كلاكيعه على ان تنتظم طوعا او كرها في ضفيرتين مع كل ما يعنيه هذا من تقطيع في فروة رأسك حرفيا-- بينما يفلت اخوك بضربتي فرشاة ثم "على المدرسة يا حبيبي".
عندما قيل لك إنه يمكن لأبيك - تقنياً - ان يتفوه بكلمة واحدة فينفرط عقد هذه الأسرة، ينهار هذا البيت على من فيه.
عندما توقفت عن الضحك على كلمة "يتزوج واحدة ثانية" بعد أن حدثت فعلا لإحدى قريباتك.
عندما اختصتكِ مدّرستك الامريكية المتزوجة من مصري بأمنيّتها الا يكون الجنين الذي تحمله انثى لان "حياة البنات صعبة في هذا الجزء من العالم!". عندما دعوت الله حينها الا يرزقك ببنات ابدا.
عندما قرأتيها بعينيك في كتاب المدرسة: أنت ، أيوة أنت أنت: أنت ناقصة عقل ودين.
عندما اكتشفت ان شعرك العنيد سابقا والذي بدأت مؤخرا فقط تتفاهمين معه يجب ان يختفي عن الانظار -- للأبد.
عندما تلقى زميلك ضعف راتبك. ثم عندما اعترض على ما تلقاه مستشهدا بالغلاء والكواء وفاتحاً صوته على الآخر فزاد راتبه نفحة أخرى وسط تعاطف الجميع.
عندما صافح المدير ذو الزبيبة واللحية والوجه الوضّاء كل الموظفين عداكِ. عندما تعلق كفُك في هواء الحجرة واشتعلت وجنتاك وابتلت جبهتك ووخزتك عيناك ودوّى نبضك عالياً، عالياً. عندما تحولتِ في ثانية من الاستاذة فلانة، مسئولة القسم الفلاني، الى مجرد (فلانة، النوع: أنثى).
في كل مرة أسهمتِ في اذابة الفروق الطبقية بين ذكور الشارع، البيه والمنادي والبواب وأمين الشرطة. بظهورك يتآنسون ويمارسون جماعةً الهواية الرسمية للشعب المتدين بطبعه. جسدك شأنهم لا شأنك: فحصه وتقييمه وشده وجذبه.
وبالمناسبة، عندما أعجب أحدهم بموقف مراسلة تلفزيونية تحرش بها الغوغاء - على الهواء مباشرةً - فصرخت "يا ولاد الوسخة"، فكتب معلقا في الفيسبوك "انتِ راجل يا آية"
وبالمناسبة تاني، عندما هاجم صحفي شاب شهير اسلاميا حط من شأن المرأة فكتب على تويتر - مشكورا كتر خيره ومنتصراً للمرأة - "انت شيخ بالأجنحة"
عندما طمئنك إمام الجامع بصوته الأبوي الحنون أن بول وليدك على ملابسك لا يفسد وضوءك "لانه ذكر يا بنتي، لو كانت بنت كنتي تتطهري بالكامل".
ذات صباح لندني بارد في مارس عندما أوقفتك جارتك في الطريق وبيدها جريدة تتصدرها صورة ميدان التحرير. عندما ظننتِ بسذاجة انها تريد - ثانيةً - أن تهنئك على الثورة. عندما قابلَت ابتسامتك بنظرة اشمئزاز وأشارت لعبارة أسفل الصورة لم تقرؤها عيناك من قبل : Virginity checks. عندما سألَتك في حيرة: "الجيش المصري أجرى آلاف كشوف العذرية على متظاهرات؟ لماذا!؟" عندما هززت رأسك لأنك لا تعرفين شيئا عن الموضوع رغم متابعتك للأحداث في كل دقيقة. عندما استجمعت كل ما أوتيت من قدرة على الاقناع وأجبتِ: "لابد أن هناك سوء فهم".
عندما تنهد المحامي ومسح وجهه بكفيه ثم طالع صديقتك وذراعها ذي الكدمة البنفسجية العملاقة وأفاد بأن "في الحقيقة المادة السابعة من قانون العقوبات تبيح ضرب الزوجة". 
عندما سألتِ سائق التاكسي عن سر ترديد مذيعة الراديو لعبارة "كل عام وأنتم بخير" كل دقيقتين.
عندما نظر اليك في المرآة رافعا حاجبيه. 
عندما هتف: "ما تعرفيش يا دكترة؟ النهارده ٨ مارس. عيد اللامؤاخذة المرأة! امال ايه؟ هابي بيرزداي!"
عندما تجاهلتِ ألفاظاً كثيرة ألحت على ذهنك واكتفيتِ بالقول: "الله يحفظك. وانت طيب".

Comments

  1. أعتقد أن هذا التفكير إندثر منذ زمن وأن المرأه حاليا فى أحيان كثيره تتفوق على الرجل.

    ReplyDelete
  2. كنا نظنك مذيعه فقط ولا نعرف انكي اديبه ايضا ..حقا المرأه في مجتمعاتنا العربيه ظلمت كثيرا

    ReplyDelete

Post a Comment

أسعد بتعليقاتكم

Popular posts from this blog

في فعل الكتابة

شيرين أبو عاقلة - بأي ذنب قُتلت؟

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام