شيرين أبو عاقلة - بأي ذنب قُتلت؟


الخامسة وخمس وعشرون دقيقة صباحا بتوقيت لندن الصيفي وقد قرر النوم أن أربع ساعات تكفي. علاقتي بالنوم مضطربة؛ وأكثر اضطراباً بما يعرف بوسائل "التواصل الاجتماعي". أجمد حساباتي عليها ولا أقوى على محوها. لا تواتيني الجرأة على شطب ما بات توثيقاً لحياتي رغما عني. 
ألتقط الهاتف في استحياء من نفسي التي عاهدتها بألا افعل ذلك ثانية في مثل هذا الوقت غير الصحي. ورأسا - وكأنه كان مختبأً لينقض علي - يطالعني سطر واحد نشرته صديقةْ فيسبوك - زميلة سابقة في الجزيرة: "مقتل شيرين أبو عاقلة"
سأقر ها هنا أن أول خاطرة داهمتني كانت أن شيرين أكبر من أن تموت هكذا. وأعني بالكبر المقام والشهرة وطول فترة الوجود على الساحة. كيف تغطي بالله عليك انتفاضات وحروباً ثم تقتلك رصاصة في عملية اعتقال - ويالقسوة النعت - روتينية: معلوم توقيتها سلفا.
تواترت خواطر أخرى كثيرة: وجدتني أغبط شيرين مهنيا وأتوجع عليها شخصيا: لقد ارتقت شيرين في دنيا الصحافة، صارت أيقونة لن يختلف عليها اثنان. ثم - كعادتهم - صعقني رواد "التواصل الاجتماعي": فقد اختلفوا عليها خلافاً مريراً، عنوانه: هل تجوز على شيرين الرحمة، يا لقسوتهم!
ووجدتني أسأل نفسي عن الصحافة التي تحيلك أحياناً مجرماً تستحق إعداماً ميدانيا، وعن زملائك الصحافيين الذين يرفضون طبعاً اعتبارك مجرماً، لكنهم قد يغضون الطرف بعض الشيء حسب الجهة التي "أجرمتَ" بحقها، عملاً بمقولة جورج اوريل في مزرعة الحيوانات: كل الحيوانات متساوية لكن بعضهم أكثر مساواة من البعض الآخر.
ثم: هل يصل الصحفي الميداني لنقطة ما في تاريخه فيشعر بالاطمئنان أنه مر بالكثير وبالتالي على الأرجح لن يصيبه مكروه؟ ألا نفكر كلنا هكذا عن أنفسنا؟ عن أبنائنا وأحبائنا؟
وماذا عن المذيع؟ ما الخط الرفيع الفاصل بين حياديته المصطنعة وبين ثورته ورغبته في النحيب وهو يغطي نبأ مقتل زميل ينتمي لنفس المهنة؟ خواطر أخرى عن الحساب والمساءلة وان كنا سنعرف يوما من أطلق الرصاصة وسنراه بام أعيننا خلف القضبان ..
وغيرها خواطر كثيرة، لكن الأولى عادت فهيمنت: شيرين أكبر من أن تموت هكذا.
الفيديو المصاحب لهذه الكلمات هو لمقابلة أجريتها في العالم هذا المساء بتاريخ 12 مايو 2022 مع مائير كوهين الدبلوماسي الاسرائيلي السابق بعد أن تجاوز الخبر حد الجريمة/الفاجعة ووصل مستوى الكارثة بالاعتداء على حملة نعش شيرين من أقاربها وأشقائها يوم الجنازة.    






 

Comments

Popular posts from this blog

قواعد اللعبة

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

في فعل الكتابة