أوغاد وأشرار

كان فمها يبدو - في حاله الطبيعي- ممتعضاً. فم امرأة تعرف يقيناً ان الكون يقف ضدها، ولديها من القرائن ما يكفي.
افترشت الأرض ككل ليلة. خطر ببالها انها لم تر القمر منذ عقود. فغيوم الدخان جاثمة على المدينة منذ زمن بعيد. المدينة 'لبست' الدخان وغطت به شعرها وجبهتها نزولاً إلى حاجبيها بل ونصف مجال رؤيتها: تماما كطريقة الشيخ سعد (إمام الجامع في قريتها التي لم ترها أيضا منذ عقود) في لبس العمة.
اقتحمت قدمان مجال رؤيتها فانتظرت أن يمضي صاحبهما التعس كما يمضي الآخرون. ولما ملّت من المقارنة بين عدد واتساع الثقوب في فردتي حذائه رفعت إليه عينين غائمتين وقالت بتهكم: "أي خدمة".
-"سؤال هذا أم إقرار واقع؟"
أجابته بتنهيدة ونظرة خاطفة نحو السماء.
-"ما هذه القمامة التي تبيعينها يا امرأة؟ أهناك حقاً من يشتري خردة كهذه؟". جاء ردها هذه المرة بصقةً على يمينها تلقاها الحصى القريب من الجارة. لاحظ لمعان الحصى المستهدف من بعد بلادة لون، وأعجبه اتساع نطاق الرمية. انحنى فالتقط قطعة حديد صدئة في حجم ووزن قالب طوب.
-"ما هذا مثلا يا بائعة الجواهر؟".
-"بذمتك لا تعلم؟ هذا جهاز انذار ضد الأوغاد. صحيح..ولمَ تعلم؟ متى احتجتَ إليه وأنت منهم؟"
استعد تلقائياً لأن يبصق على الأرض بدوره مراعاةً للاتيكيت السائد لكن الضحك غلبه. "جهاز انذار مرة واحدة؟ يا ويل السيليكون ڤالي من منافسة أمثالك يا ..يا حاجة"
-"ليس هذا فحسب. بل هو يميز بين الأوغاد والأشرار. يصدر صفيراً مختلفا لكل حالة"
-"يا سلام يا فيلسوفة الزمان! باولو كويلو سيستعين بك في روايته التالية بكل تأكيد! وما عسى يكون الفارق بين الأوغاد والأشرار؟".
أضاءت بابتسامة لم ير لها مثيلاً قط: ففي ثانية أو اثنتين انقلب وجهها أكثر شباباً وأكثر قبحاً في نفس الوقت. تدلى سن يتيم أصفر يميناً ويساراً كذراع ساعة في فمها المظلم. انكشفت السماء قليلا فتسرب إليهما شعاع قمري متردد. حدقت في عينيه، في عمق أعماق روحه وسألته: "تحب تجرب؟"

Comments

  1. رائعة :)

    ReplyDelete
  2. لم ترق لي كثيرا أو ربما لم أفهم مغزاها.. في كل حال تعجبني أمور فنية أخرى مثل التزام الحوار للفصحى وقصر القصة في النهاية والتقليل من التفاصيل المحيطة.
    اعتدت كثيرا أن يكون ما تكتبه الإناث مليئا بالتشبيهات والإسهاب في الوصف ما يجعله مملا لي.. لكن أسلوبك على النقيض من ذلك شيق للغاية.. بعبارة مصرية "المصنعية حلوة".. استمري يا أستاذة

    ReplyDelete
  3. لم ترق لي بشكل شخصي أو ربما لأنني لم أفهم الفكرة الرئيسية او المغزى.. ولكن بعيدا عن ذلك لي ملاحظات فنية حول ما أعجبني
    - التمسك بالفصحى في الحوار.
    - مخالفة عادة الفتيات عند الكتابة وتجنب الإسهاب والإغراق في التشبيه.. فقد نفذتي فورا إلى الحدث.
    استمري يا أستاذة.. فأسلوبك جميل وبالعبارة المصرية "مصنعيته حلوة".. شكرا للمشاركة

    ReplyDelete
  4. القصة قصيرة و تبدو جميلة و لكن الظاهر ان العيب فى أنا فلم أفهمها جيدا و اعتقدت فى البداية ان لها جزء ثان و لكن يبدو أن لا
    عامةً الأسلوب جميل و لكن ليس بسهولة و يسر ما سبق من
    Thoughts

    ReplyDelete
  5. رسالة قوية من شخصية محطمة تنتظر لحظاتها للإنتقام و لو بالكلمات من أحد الأوغاد الأشرار .هكذا فهمتها .

    ReplyDelete

Post a Comment

أسعد بتعليقاتكم

Popular posts from this blog

قواعد اللعبة

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

في فعل الكتابة