وحيد وحداني حضرتك؟

وحيد؟
وحداني ومقطوع من شجرة؟
محاط بالناس من شروق الشمس إلى غروبها ومع ذلك تشعر بالغربة؟
نعم؟ أغلبنا كذلك. إن لم يكن في هذه اللحظة بالذات، ففي وقت ما.. مضى أو آت.
لا؟ أنت محظوظ. وأنت أيضا مشكوك في مصداقيتك.
تسأل طبعا ما العمل؟ الأمر يتوقف على نوع الوحدة. فالوحدة يا صديقي أنواع. منها مثلا صنف جائع لا تكفيك - إن داهمك - كل محتويات الثلاجة. سأكون صريحة معك: هذا النوع يتطلب بعض الصرامة. فطعام الدنيا لن يسد الثقب الغائر في روحك.
وهناك وحدة جامحة كفرس عربية. تتملكك فتهيم على وجهك بلا هدف. تتجول في المدينة في أنصاف الليالي. تخرج إلى البلكونة بدون سبب. تذرع غرفة نومك جيئة وذهابا والناس نيام. يصور لك عقلك أنك إن وقفت ساكنا أو - والعياذ بالله جلست - سيتوقف قلبك عن الخفقان. هنا أنصحك بألا تقاوم: استمر حتى تخور قواك.
 ثم هناك وحدة مسكينة. قليلة الحيلة كطفل حزين. كل ما تريده منك أن تؤرجحها قليلا وستتركك في حالك. ضم ركبتيك إلى صدرك واقبض عليهما بذراعيك وطأطئ رأسك وتأرجح: للخلف وللأمام، للأمام وللخلف. سيهدأ الطفل الحزين وربما ينام. 
إلى حين. 
لا يجب أن ننسى صنفا غريبا يمكن أن نسميه مجازا: الوحدة المسرحية. إنها تلك التي تدخل على خشبة مسرح حياتك بصخب، وكأنها نجمة ظلت الجماهير (أي سيادتك) تنتظرها طويلا. وتفترض تلك رأسا أنك ستنحي كل شيء آخر جانبا وتلتفت لها وحدها. تكون منهمكا في عملك أو مندمجا في متابعة فيلم، أو مركزا في قيادة السيارة في أمان الله فإذا برغبة في البكاء تجتاحك مصاحبة بخوف وجودي مروع. النصيحة هنا أن تقاوم. ارجوك أن تقاوم! هل تتخيل شكل الدنيا اذا استسلم الجميع لهذه الرغبة؟ ستجهش البلد كلها في حفل بكاء جماعي! إن تكررت تلك الأعراض معك فربما عليك أن تتزوج. فالخوف من الوحدة أقوى من كل شيء!
ومن أكثر الانواع شيوعا الوحدة الثرثارة. هل تعرف لماذا يهاتفك خالك الأرمل كل يومين ليؤكد على حضورك غداء العيد الذي تفصلنا عنه ثمانية أشهر؟ لأن أحباله الصوتية شكت من قلة الاستخدام.
أو لماذا يظهر لك صديقك المغترب في زاوية الشاشة كلما فتحت الكومبيوتر ويقول
 ":)"؟
أو لماذا توقفك جارتك على بسطة السلم لتشكو أوجاع ركبتيها تارة وجحود أبنائها تارة اخرى (رغم حرصك على صعود السلم بهدوء يحسدك عليه راقصو الباليه)؟
هل استمعت يوما للراديو وتعجبت من تفاهة من يتصلون ببرامج لا يدري أحد - ولا حتى المذيع - الهدف منها؟ 
إنه الشعور بالوحدة بأشكال مختلفة. إن سقطت يوما فريسة لذلك النوع الثرثار فلا تجزع. اصنع لنفسك إبريقا ضخما من الينسون (مريح للحلق) وخذ نفسا عميقا واتصل بكل من تجد رقمه في قائمتك واحدا تلو الآخر. ولا تقلق من أنك ستزعجهم. تتصل بهم اليوم ويتصلون بك غدا. الشعور بالوحدة كأس ودائر على الجميع. 

Comments

  1. الحقيقة انا بعاني من الوحدة .. لكن متل ماقلتي احيانا بعمل ابريق يانسون وبتلفن لكل معارفي .. وبعدين بحس اني ياليت ما تلفنت لحدا لاني بخاف كون ثقيل الظل .. نحن في مجتمع شرقي والحسابات فيه كثيرة .. في وقت الوحدة بحاول اني اناشد الله وبحس اني الوحده هي رحمة من الله لجعل الله محبوب وشريك للخروج من حالة الوحدة .. انا بكره التشاؤم وبحب التفاؤل على طول .. ان مع العسر يسرى ..

    ReplyDelete
  2. اسعد تلك اللحظات حقيقة هى التى استسلم فيها للبكاء عل الله يكرمنى بفرج قريب لا اعلمه ولكن الله به اعلم

    ReplyDelete

Post a Comment

أسعد بتعليقاتكم

Popular posts from this blog

قواعد اللعبة

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

في فعل الكتابة