شقة 6 - الفصل الخامس

-5-

أدور وأدور حول بنايتنا بحثا عن بوابة الدخول. لكن جدار البناية موصول، مستمر. أين الثغرة التي سأنفذ منها؟ حقيبة المدرسة ثقيلة، ترهق ظهري. أكمل دورة كاملة. لا أجد البوابة حيث يجب أن تكون، ولا أجدها في أي مكان آخر. أبدأ دورة أخرى. تناديني أمي من شباك غرفة نومها، صوتها يأتيني بطيئا جدا، ممطوطا وغير طبيعي: بصيلي يا رانيا، بصيلي فوق عشان أشاورلك على البوابة. 
لكن رأسي ثقيل. قالب طوب خفي مربوط على رأسي يمنعني من النظر لأعلى. القالب الخفي يسحق عنقي. ظهري مثقل بحِمل لا يمكن وضعه. ساقاي منهكتان من كثرة الدوران. لكنني أدور وأدور. عشرات المرات، مئات المرات. وفي كل دورة تناديني أمي. وفي كل مرة أعجز عن رفع رأسي.
يحل الليل وأنا على هذه الحال. صرير الحشرات يخترق أذني. أتخيل عيونا تراقبني في الظلام، وأسمع خطوات بل وتنفسا، لكن لا أرى أحدا. ينال الانهاك مني. تتشكل أمامي على الأرض بركة دماء صغيرة، مستديرة تماما. يهيأ لي أني رأيتها من قبل. ولكن لا أتذكر أين. رائحة الدم نفاذة. أنادي: "ماما.." لكن صوتي ضعيف جدا. أخيرا تهتف أمي: عمرك ما هتلاقي البوابة يا رانيا! عارفة ليه؟
أضع كل ما تبقى من قواي الخائرة في محاولة أخيرة لرفع رأسي. فمن الضروري للغاية أن "أعرف ليه". أنجح في رفعه سنتيمترات معدودة تكفي ليظهر وجه أمي في الشباك حزينا، آسفا.
تقول بحسرة: 
-لإنك ما تستاهليش تلاقيها.

يتبع

Comments

  1. ما هذه الروعة

    في انتظار الجزء التالي

    ReplyDelete
  2. رائعة كما أنت متعاهدة مع الصوت و القلم

    ReplyDelete
  3. جميلة جداً .. نقلة غريبة فى الأحداث ، غير متوقعة .. مثيرة و مشوقةو غامضة

    فى انتظار الجزء التالى و الذى سيربطها بالأحداث السابقة

    ReplyDelete

Post a Comment

أسعد بتعليقاتكم

Popular posts from this blog

قواعد اللعبة

أنشودة الكسل - بقلم نوران سلام

في فعل الكتابة